سورة محمد - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (محمد)


        


{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ} يعني المنافقين أو اليهود، {قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نزلَ اللَّهُ} وهم المشركون، {سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأمْرِ} في التعاون على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم والقعود عن الجهاد، وكانوا يقولونه سرًا فأخبر الله تعالى عنهم، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر: بكسر الهمزة، على المصدر، والباقون بفتحها على جمع السر.
{فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ذَلِكَ} الضرب، {بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ} قال ابن عباس: بما كتموا من التوراة وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، {وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ} كرهوا ما فيه رضوان الله، وهو الطاعة والإيمان. {فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}.
{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} يعني المنافقين، {أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ} لن يظهر أحقادهم على المؤمنين فيبديها حتى يعرفوا نفاقهم، واحدها: ضغن، قال ابن عباس: حسدهم.
{وَلَوْ نَشَاءُ لأرَيْنَاكَهُمْ} أي لأعلمناكهم وعرفناكهم، {فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} بعلامتهم، قال الزجاج: المعنى: لو نشاء لجعلنا على المنافقين علامة تعرفهم بها.
قال أنس: ما خفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية شيء من المنافقين، كان يعرفهم بسيماهم.
{وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} في معناه ومقصده.
واللحن: وجهان صواب وخطأ، فالفعل من الصواب: لَحِنَ يَلْحَنُ لَحْنًا فهو لَحِنٌ إذا فطن للشيء، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض».
والفعل من الخطأ لَحَنَ يَلْحَنُ لَحْنًا فهو لاحِنٌ. والأصل فيه: إزالة الكلام عن جهته.
والمعنى: إنك تعرفهم فيما يعرضون به من تهجين أمرك وأمر المسلمين والاستهزاء بهم، فكان بعد هذا لا يتكلم منافق عند النبي صلى الله عليه وسلم إلا عرفه بقوله، ويستدل بفحوى كلامه على فساد دخيلته. {وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ}.


{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ} ولنعاملنكم معاملة المختبر بأن نأمركم بالجهاد والقتال، {حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} أي: علم الوجود، يريد: حتى يتبين المجاهد والصابر على دينه من غيره، {وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} أي نظهرها ونكشفها بإباء من يأبى القتال، ولا يصبر على الجهاد.
وقرأ أبو بكر عن عاصم: {وليبلونكم حتى يعلم}، ويبلو بالياء فيهن، لقوله تعالى: {والله يعلم أعمالكم}، وقرأ الآخرون بالنون فيهن، لقوله تعالى: {ولو نشاء لأريناكهم}، وقرأ يعقوب: {ونبلوا} ساكنة الواو، ردًا على قوله: {ولنبلونكم} وقرأ الآخرون بالفتح ردا على قوله: {حتى نعلم}.
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا} إنما يضرون أنفسهم، {وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ} فلا يرون لها ثوابًا في الآخرة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: هم المطعمون يوم بدر، نظيرها قوله عز وجل: {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله} [الأنفال- 36] الآية.


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} قال عطاء: بالشك والنفاق، وقال الكلبي: بالرياء والسمعة. وقال الحسن: بالمعاصي والكبائر.
وقال أبو العالية: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون أنه لا يضر مع الإخلاص ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل، فنزلت هذه الآية فخافوا الكبائر بعده أن تحبط الأعمال.
وقال مقاتل: لا تمنوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبطلوا أعمالكم، نزلت في بني أسد، وسنذكره في سورة الحجرات إن شاء الله تعالى.
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} قيل: هم أصحاب القليب. وحكمها عام.
{فَلا تَهِنُوا} لا تضعفوا {وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ} أي لا تدعوا إلى الصلح ابتداء، منع الله المسلمين أن يدعوا الكفار إلى الصلح، وأمرهم بحربهم حتى يسلموا، {وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ} الغالبون، قال الكلبي: آخر الأمر لكم وإن غلبوكم في بعض الأوقات، {وَاللَّهُ مَعَكُمْ} بالعون والنصرة، {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} لن ينقصكم شيئًا من ثواب أعمالكم، يقال: وتره يتره وترًا وَتِرَةً: إذا نقص حقه، قال ابن عباس، وقتادة، ومقاتل، والضحاك: لن يظلمكم أعمالكم الصالحة بل يؤتيكم أجورها. ثم حض على طلب الآخرة فقال: {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} باطل وغرور، {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا} الفواحش، {يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} جزاء أعمالكم في الآخرة، {وَلا يَسْأَلْكُمْ} ربكم، {أَمْوَالَكُمْ} لإيتاء الأجر بل يأمركم بالإيمان والطاعة ليثيبكم عليها الجنة، نظيره قوله: {ما أريد منهم من رزق} [الذاريات- 57]، وقيل: لا يسألكم محمد أموالكم، نظيره: {قل ما أسألكم عليه من أجر} [الفرقان- 57].
وقيل: معنى الآية: لا يسألكم الله ورسوله أموالكم كلها في الصدقات، إنما يسألانكم غيضًا من فيض، ربع العشر فطيبوا بها نفسًا. وإلى هذا القول ذهب ابن عيينة، يدل عليه سياق الآية:

1 | 2 | 3 | 4 | 5